أین هی 'القاعدة' من مجازر غزة ؟

بادیء ذی بدء، نلقی نظرة الى إمکانیات وأدوات وقدرات "القاعدة" مما ورد فی وسائل الاعلام المختلفة:

قال "فلادمیر کولشوف"، مدیر جهاز الاستخبارات فی الشیشان: لا یخفى أن دول القفقاز الشمالیة کانت محطّ اهتمام کبیر من قبل ما یسمى بـ "الدعاة" الذین یروجون للفئات الاسلامیة المتطرفة.

ولا شک أن منظمة "القاعدة" الارهابیة تمثل إحدى أهم تلک الفئات التی توفد أشخاصاً لإشاعة الأفکار المتطرفة فی تلک البقعة.

وقال الجنرال "آرکادی یدلیف"، نائب وزیر الداخلیة الروسیة فی هذا الصدد: تبذل المنظمات الارهابیة الدولیة، وعلى رأسها منظمة "القاعدة" جهوداً جبارة لزعزعة الأوضاع فی الدول المستقلة حدیثاً أو الداعیة الى الاستقلال نحو أنغوشیا، داغستان، کاباردینو – بالکاربا، والشیشان.

وجاء فی صحیفة التایمز الصادرة فی العاصمة البریطانیة لندن: لقد اختارت "القاعدة" التی تجرعت مرارة الهزیمة فی العراق والباکستان وأفغانستان ناحیة لها فی زاویة من الصحراء الکبرى فی الجزائر، من أجل مواصلة فعالیاتها واستعادة قواها لشن حملات إرهابیة على الماطق الجنوبیة لأوربا.

وأضافت هذا الصحیفة: تشیر المصادر الغربیة الى أن الجماعة التی تطلق على نفسها "القاعدة فی بلاد المغرب الاسلامی" تسعى جاهدة أن تجد لنفسها مکاناً فی شمال أفریقیا، ومن ثم تتحد مع الجماعات الأصولیة فی المنطقة لتنفیذ السیاسات الإرهابیة لابن لادن.

وأضافت هذه الصحیفة: أعربت وکالة الاستخبارارت الألمانیة عن قلقها من هذا الأمر، کما أظهرت فرنسا خشیتها من تداعیات ذلک، فقال الرئیس الفرنسی أثناء زیارته لتونس: لو قام نظام کنظام طالبان فی إحدى دول شمال أفریقیا، فهل ستظل فرنسا بعد ذلک تشعر بألأمن والاستقرار ؟

وکتب صحیفة التایمز فی عدد آخر: أعلنت الفرقة السلفیة فی الجزائر عام 2006 عن انضمامها الى القاعدة وبایعت ابن لادن، ما جعل کثیر من الدول الأوربیة کألمانیا وفرنسا وإسبانیا وانجلترا تعرب عن مخاوفها من نشاطات وأعمال القاعدة والفرق المنضویة تحتها فی شمال أفریقیا. إنهم یؤکدون على أن القاعدة تمتلک أنصاراً وأتباعاً کثر فی تلک البقعة، وتؤکد المصادر على أن القاعدة أقامت لها معسکرات لتدریب قواتها فی عدد من الدول الأفریقیة نظیر المغرب وتونس ولیبیا ونیجریا والنیجر والسنغال وتشاد وموریتانیا وبروکینافاسو، وتمکن مقاتلوا القاعدة من الحصول على أسلحة متطورة، من قبیل المواد الکیمیاویة التی تدخل فی صناعة القنابل التی تستخدم فی العملیات الانتحاریة والعبوات الناسفة. الى ذلک، تشیر التقاریر الصادرة عن الشرطة الدولیة الى أن أکثر من 340 ممن کانوا بصدد تنفیذ عملیات إرهابیة فی أوربا فی غضون عامی 2005 و 2006 ومن ثم ألقی القبض علیهم قد جاءو الى أوربا من دول الجزائر وتونس والمغرب، ولهم صلة وثیقة بالزمرة السلفیة والزمر الإرهابیة الأخرى.

وذکرت وکالة الأنباء الفرنسیة، نقلاً عن تقریر فی صحیفة واشنطن بوست بقلم شارلوت هیل: أعلن المسؤولون فی وکالة الاستخبارات الأمریکیة (سیا) والشرطة الفیدرالیة الأمریکیة (FBI) عن تزاید أعداد الاوربیین الذین سخرتهم القاعدة لتنفیذ مآربها.

ویرى الخبراء المختصون أن أمریکا غیر قادرة على التصدی للحملات الارهابیة التی یقودها هؤلاء.

وقال روبرت مولر، مدیر الأف بی آی فی مؤتمر عقد فی أمریکا: عمدت القاعدة فی الآونة الأخیرة الى تجنید أفراد من أوربا وأمریکا الشمالیة لعلمها بأن مثل هؤلاء الأفراد یستطیعون بکل سهولة التنقل بین تلک الدول والوصول الى أمریکا دون إثارة الشکوک لامتلاکهم جوازات سفر تتیح لهم ذلک.

وقال مایکل هایدن، مدیر وکالة الاستخبارات الأمریکیة: لقد تمکنت شبکة القاعدة الارهابیة من تجنید إرهابیین غربیین فی ظاهرهم ، وتحاول تدریبهم على الأعمال الارهابیة.

وأضاف السید هایدن فی حوار متلفز مع قناة (NBC) قائلاً: هؤلاء الأفراد لا یثیرون التفات المسؤولین فی المطارات حیث إن ظاهرهم لا یوحی بالشک والشبهة.

وقال ماثیو لویت، الخبیر فی مؤسسة السیاسة الشرق أوسطیة فی واشنطن: مهما کانت هویة الإرهابیین فأمریکا متوجسة من قدرتهم على الدخول الى الأراضی الأمریکیة بجوازات سفر معتمدة عن طریق بعض التسهیلات التی تقدمها الدول الأوربیة لمواطنیها، مثل عدم الحاجة الى تأشیرة دخول للتنقل بینها.

وذهب السید تید غالن کارینتر، الخبیر فی مؤسسة کاتو (cato) الى أنه یتعسر معرفة الأعداد الدقیقة لمثل هؤلاء الأفراد. فهم ممن ولد فی الدول الغربیة أو یتمتع بظاهر غربی، نحو مسلموا البوسنة وکوسوفو، فلا شک أن أعداهم تصل الى بضعة آلاف، لکن لا أحد یعلم بعدتهم الحقیقیة.

وأضاف هذا الخبیر: رغم أن المؤیدین لهذه المنظمات الارهابیة فی الغرب قلائل، لکنها لا تحتاج الى تحقیق أهدافها الى أعداد کبیرة من الناس.

ولا یخفى أن القاعدة تحاول إحباط الجهود الأمریکیة والأوربیة وسائر الدول الأخرى فی إطار معرفة الارهابیین وتحدید هویاتهم، وعلى کل حال فتغلغل هؤلاء فی المجتمعات الکبیرة مثل أمریکا والاتحاد الأوربی یمثل خطراً جاداً علیها.

ثم أکد الخبیر لویت أن المسؤولین عن مکافحة الارهاب فی باریس ولندن وبرلین قد أعربوا عن مخاوفهم من تبعات هذا الأمر.

وکتبت صحیفة نیوزویک الأسبوعیة أن المسؤولین الألمان یحققون فی ملف خلیة إرهابیة تعمل لحساب زمرة ینحدر أفرادها من الأوزبک، ویقودها فرد یدعى "فریتز غلویتش"، وهو ألمانی اعتنق الدین الاسلامی، ومسجون حالیاً.

أما برایان جنکینز، الخبیر فی شؤون الارهاب فی مؤسسة راند (rand) فذهب الى أنه على الرغم من القلق الذی یساور الأمریکیین من احتمال ورود أشخاص إرهابیین الى أمریکا للقیام بأعمال إرهابیة، إلا أن الخطر الجدی الیوم یتمثل بالارهابیین المحلیین؛ أی المواطنین الأمریکیین الذین یعیشون فی أمرکا ویمارسون مثل تلک الأعمال.

وأضاف السید برایان: لم یسبق أن تمت الاستفادة من إرهابیین أجانب إلا بعد حادثة الحادی عشر من سبتمبر/ أیلول. ففی حوادث ترکیا وإسبانیا ولندن والأعمال الارهابیة التی جرت فی ألمانیا والدنمارک وغیرها من الدول لم تکن المجامیع الارهابیة الأجنبیة ضلیعة فی ذلک، بل کانوا جمیعاً من داخل تلک الدول.

وأذعن السفیر الأمریکی فی العراق بأن أفغانستان هی الجبهة الأساسیة للحرب على القاعدة، فطبقاً لما ذکرت وکالة أنباء ایسنا الایرانیة تملص رایان کروکر، سفیر أمریکا فی العراق، من الرد الصریح على سؤال السناتور الأمریکی جوزیف بایدن حین سأله: هل أن مرکز الحرب على القاعدة هو العراق أم أفغانستان ؟ فقال فی نهایة المطاف: لا شک فی أن القاعدة فی الحدود بین أفغانستان والباکستان تشکل خطراً جاداً وکبیراً من وجهة نظرنا.

وحاول بایدن فی الاجتماع الذی ضمه بکروکر توجیه سیل من الأسئلة إلیه لإحراجه، وکان من جملة ما سأله: هل إن تهدید القاعدة فی العراق للمصالح الأمریکیة أکبر أم القاعدة فی الحدود الباکستانیة الأفغانیة ؟ فرد کروکر قائلاً: أعتقد أن القاعدة تشکل خطراً استراتیجیاً على أمریکا فی أی مکان وجدت.

وحول مکمن خطورة القاعدة فی أی بلد هو، رد السفیر الأمریکی فی العراق بالقول: نظراً الى التقدم الملموس الذی أحرز فی العراق ضد القاعدة، أعتقد أنها تقهقرت کثیراً وباتت فی حالة دفاعیة وتصارع من أجل البقاء. ولما أعید السؤال علیه، رد کروکر: بناء على ذلک أظن أنها فی الحدود الأفغانیة الباکستانیة أکثر خطورة من غیرها.

 * * * * *

ویبدو أن القاعدة لن تألو جهداً فی استخدام کافة السبل المتاحة لتحقیق أهدافها، وهی تحمل أفکاراً خاصة لتنفیذ عملیاتها، وتحاول استخدام کل أوراقها لقلب المعادلة لصالحها، فعلى سبیل المثال اتهمت الجمهوریة الاسلامیة فی إیران – رغم تاریخها الجهادی الحافل بمقارعة الاستکبار – بتهم باطلة، ففی بیان مصور اتهمت هذه المنظمة الارهابیة على لسان أیمن الظواهری، الرجل الثانی فی التنظیم، إیران بالتعاون مع القوات الأمریکیة فی العراق وفی أفغانستان والاعتراف بالحکومات العمیلة – على حدّ تعبیره – فی تینک الدولتین. هذا ما نقلته وکالة أنباء اسیوشتدبرس أیضاً.

وقد بثت قناة الجزیرة الفضائیة مقتطفات من بیان الظواهری الذی ألقاه بمناسبة الذکرى السنویة السابعة لأحداث 11 سبتمبر فی أمریکا.

وأوردت وکالة رویترز للأنباء نقلاً عن الظواهری قوله: لإیران ید فی احتلال القوات الأمریکیة العراق وأفغانستان، والدلیل هو اعترافها الرسمی بالحکومات العمیلة لأمریکا فی البلدین، ورغم کل ذلک تتوعد کل من تسول له نفسه التعدی على شبر من الأراضی الایرانیة. کما أن الظواهری أدان الشیعة لعدم إعلانهم الجهاد وعدم حملهم السلاح لمقاتلة المحتلین الصلیبیین.

* * * * *

وثمة مشهد آخر لمجریات الأحداث فی عالمنا الراهن، ألا وهو الأوضاع فی قطاع غزة، فبعد أن تحمل هذا القطاع الحظر الذی فرضه الصهاینة لعدة شهور تعرض لأعنف هجوم عسکری وحشی، ولم یهدأ بال النظام الیهودی السفاک والمتطرف إلا بقتل مئات الأطفال الأبریاء هناک، الأمر الذی أثار حفیظة جمیع الأحرار فی العالم، مهما کان انتماؤهم القومی والدینی والمذهبی.

ومن الطبیعی فی ظل هذه السیاقات السائدة أن تکون نظرة الغرب الى المقاومة المسلمة المتمثلة بحرکة حماس نظرة إرهابیة؛ لأن الطرف الآخر فی القضیة لایمکن أن یکون إرهابیاً قط، ولأن إسرائیل حلیفة وصدیقة للاستکبار، فالشباب الفلسطینی هم فقط من یمارس الارهاب !

ومن جملة الأدلة والمزاعم التی سیقت لتبریر الحملة على غزة، یمکن الإشارة الى حوار نشرته صحیفة L"Espresso أجراه "جیجی ریفی" مع "إلی کارمون"، الخبیر فی معهد دراسات تل أبیب والمتخصص فی قضایا مکافحة الارهاب، حیث ذهب الى عدم إمکان إرجاء إسرائیل لعملیاتها فی غزة لأن الحرکات الاسلامیة، وعلى رأسها حرکة حماس، أخذت تعید بناء ترسانتها العسکریة.

لقد کان هذا الرجل على ثقة من استحالة تجنب الهجوم على غزة، قائلاًَ: لم یکن أمام إسرائیل فرصة للتفکیر، فحماس تستطیع الحصول على صواریخ بعیدة المدى قادرة على دک تل أبیب فی غضون 6- 8 أشهر فقط.

وتابع کارمون: یجب على إسرائیل قبل کل شیء التأکد من إحراز نصر عسکری کبیر، وهو ما لا یتأتى إلا من خلال تدمیر کافة البنى التحتیة لحماس وتقلیل عناصرها الى أقل عدد ممکن؛ لکی لا تتمکن بعد ذلک من السیطرة سیاسیاً على قطاع غزة، فیفسح المجال لمنظمة التحریر الفلسطینیة فی بسط نفوذها على القطاع. وفی الوقت ذاته، یجب الاستعانة بقوة دولیة تضمن أمن الحدود بین القطاع وبین إسرائیل.

وفی الختام، قال کارمون: فضلاً عن الخطر الذی تشکله حرکة حماس على إسرائیل، فهی تشکل مخاطر کبیرة على مصر أیضاً، حیث إن الأخیرة قلقة من تسلل المتطرفین الى هضبة سیناء عن طریق قطاع غزة. أضف الى ذلک، توجس الأردن من اتساع رقعة الأصولیة الاسلامیة. وبعبارة أخرى: أصبحت حماس تمثل عقبة کؤوداً لکثیر من دول الشرق الأقصى.

هذا ولا زالت الحرب العسکریة والحرب الاعلامیة تسیر فی وتیرة واحدة، والسؤال المطروح هنا هو: أین هی القاعدة من مجازر غزة ؟ أو لیس مقاتلوا حرکة حماس أبناء الاسلام ؟ أوَ لا یشاطرون الوهابیة فی المعتقد والمذهب باعتبارهم من أهل السنة ؟ ألم یحتل الصهاینة المسجد الأقصى والقدس ؟ أوَ لایعدّ أطفال غزة من البشر ؟ فلو کان للقاعدة وجود أساساً ألا ینبغی علیها اتخاذ موقف یتناسب وهول الحدث ؟ وهل أن القاعدة متخصصة فی إثارة النعرات الطائفیة وإذکاء نار الفتنة بین المسلمین وقتل الزائرین الشیعة وإباحة دمائهم وتکفیر جزء عظیم من المسلمین الذین حقن الله دماءهم ؟

وفی هذا السیاق، نتساءل: علام یعود النفع من تشویه صورة الاسلام ووصمه بالعنف، وهو دین العلم والمنطق والجدال بالتی هی أحسن، واتساعه کان موقوفاً على الأخلاق العظیمة لنبی الرحمة (ص) لا على سیفه ؟ ومن ناحیة أخرى، ألا تنسب المقاومة الباسلة للشعب الفلسطینی الیوم الى الأعمال الوحشیة للقاعدة وتقرن بها فی محاولة لنسف قواعدها وتشویه صورتها ؟

إن الوجه الناصع للاسلام یعانی من السلوک غیر المتّزن لبعض ممن لا یعیر اهتماماً للحکمة والمنطق، والذی لا أثر له فی میدان العمل والقتال والجهاد الحقیقی، بل یکرس وجوده إثارة الفتن.

قد یکون المسلمون کافة قد قرأوا الآیات التالیة، لکن یبدو ثمة حاجة لقراءتها مرة أخرى بتأمل وتمعن، قال تعالى: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْیَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِیَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِیَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ یَتَوَلَّهُمْ مِنْکُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ) (المائدة:51).

وقال: (لا یَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکَافِرِینَ أَوْلِیَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ وَمَنْ یَفْعَلْ ذَلِکَ فَلَیْسَ مِنَ اللَّهِ فِی شَیْءٍ ...) (آل عمران: 28).

وقال کذلک: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِینَ آمَنُوا الْیَهُودَ وَالَّذِینَ أَشْرَکُوا ...)(المائدة: 82).