بسم الله الرحمن الرحیم
إن هبوب الریاح العاصفة من الجزیرة العربیة القاحلة وهی تحمل فی طیاتها أخباراً مخیبة للآمال تقضی بلزوم هدم الأماکن المقدسة والعتبات المشرفة ، لَتدعو کل إنسان الى التفکیر الجاد فی عمق النعرات الجاهلیة التی تکتنف شبه الجزیرة العربیة ، وفی الانحطاط الذی آل له الموطن الأول للاسلام ومهبط الوحی ، حیث یتحکم فیه بضعة نفر من أشباه الرجال ؛ فیوماً یصدرون فتوى بقتل ملایین المسلمین من أتباع أهل البیت (ع) ، ویوماً یبتهجون ویرقصون لهدم المرقد الطاهر للامامین العسکریین (ع) ، وما زالت تسول لهم أنفسهم هدم باقی الأضرحة المقدسة لأبناء النبی الأکرم (ص) .
لقد تمیزت تلک المنطقة الجغرافیة بالفقر العلمی المدقع ، والجهل المزمن ، وسرطان الکبر والحمیة الجاهلیة ، والجفاء وعدم المرونة ، والتحجر ، حتى أن نزول القرآن الکریم باللغة العربیة وظهور نبی الرحمة محمد بن عبد الله (ص) من وسط أولئک لم یغیر من الأمر فی شیء: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِیًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آیَاتُهُ أَأَعْجَمِیٌّ وَعَرَبِیٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِینَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِینَ لَا یُؤْمِنُونَ فِی آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَیْهِمْ عَمًى أُوْلَئِکَ یُنَادَوْنَ مِنْ مَکَانٍ بَعِیدٍ(فصلت44)
إن أحفاد أبی لهب وأبی جهل وأبی سفیان کانوا وما زالوا یبذلون قصارى جهودهم لإطفاء نور أهل بیت العصمة والطهارة وحملة الرایة المحمدیة ومفسری القرآن الکریم : یُرِیدُونَ لِیُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ کَرِهَ الْکَافِرُونَ * هُوَ الَّذِی أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِینِ الْحَقِّ لِیُظْهِرَهُ عَلَى الدِّینِ کُلِّهِ وَلَوْ کَرِهَ الْمُشْرِکُونَ (الصف:9) .
إن الحضارة الاسلامیة القائمة على التعالیم الاسلامیة الأصیلة عمت کافة أرجاء العالم ، لکن یبدو أنها لم تزد المعاندین والصحراویین إلا حقداً وکراهیةً ونفوراً ؛ فالآباء الوائدون للبنات بالأمس أضحوا من ألدّ أعداء العصمة الیوم ، ولم تخلف العروبة وراءها سوى سوق الجحافل تلو الجحافل لنهب القارات واغتیال علماء آل محمد ومحاولة إبادة النسل العلوی عبر تأسیس الحکومات الجائرة باسم الخلافة : وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِی هَذَا الْقُرْآنِ لِیَذَّکَّرُوا وَمَا یَزِیدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً (الاسراء :41) .
صار سکان البوادی الذین کانوا یشکلون جزء من المناطق النائیة فی الامبراطوریة العظیمة لایران أتباعاً لأسیادهم الأمریکان بما لدیهم من دولارات طائلة وعوائد ضخمة ناتجة من تصدیر البترول ؛ فلم یعد یخجلهم قتل الحجاج وضیوف الرحمن فی بیت الله الحرام ، ولا إلصاق التهم وشتى الافتراءات بأتباع مدرسة أهل البیت (ع) ! فهؤلاء الشیوخ الذین یعتبرون احتلال فلسطین قضیة عربیة ، ویسعون لتحریف التاریخ واعتبار کبار علماء العالم الاسلامی کابن سینا الفارسی عربیاً ، ویطلقون اسم الخلیج العربی جزافاً على الخلیج الفارسی ؛ هؤلاء یلوذون بالصمت إزاء کتاب "الآیات الشیطانیة" للمرتد سلمان رشدی ، الذی ألفه اعتماداً على الروایات الموضوعة لسلفهم الطالح .
أما أجدادهم فقد دخلوا الاسلام عنوة بعد أن کانوا یشربون الخمر ویمارسون الزنا ، وکانوا منهمکین بشرکهم الأصغر فیعبدون اللات والعزى بدلاً من الله الواحد القهار . والوهابیون –أحفاد هؤلاء – ابتلوا بالشرک الأکبر ، ویؤمنون بإله لا یقوى على حفظ قرآنه ؛ إذ یدعون أن الشیعة الرافضة قد حرفوا القرآن ! وهو تعالى یقول : إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر:9) . کما أن ربهم یخشى من توسل عباده الصالحین وطلب الشفاعة منه ؛ فیما یقول تعالى : لا یَمْلِکُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (مریم:87) ، یَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِیَ لَهُ قَوْلاً (طـه: 109) ، وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ (سـبأ: 23) .
ولا بد من القول : إن کلامنا غیر موجه للوهابیین المتحجرین الذین جعلوا صورة الاسلام مقترنة بالعنف ، وسلوک المسلمین مساوقاً لقتل الأبریاء واغتیال الشرفاء ، وهم فی مهبط الوحی وموضع إعلان رسالة النبی (ص) الذی قال فیه تعالى : ( وما أرسلناک إلاّ رحمة للعالمین ) ( الأنبیاء :107) ، ( وأنک لعلى خلق عظیم ) (القلم : 4) .
إنهم یحاولون منع حدوث الشرک –بزعمهم- بالأسلحة والتفخیخ ! ولولا خشیتهم من المسلمین لهدموا قبر النبی (ص) أیضاً ، وهم فی حیرة من أمرهم فی الاجابة عن هذا التساؤل : ألا یعد الطواف حول الحجر (الکعبة) مصداقاً بارزاً للشرک ؟!
نعم نوجه کلامنا للمسؤولین الحکومیین ولعلماء الحوزات العلمیة . فالجمهوریة الاسلامیة فی ایران والحوزات العلمیة هم ورثة المؤسس الکبیر للثورة الاسلامیة الامام الخمینی (ره) الذی اتبع نهج أسلافه الصالحین فی حمل رایة اتحاد المسلمین بوجه الاستکبار العالمی وقال : "تخضع الأمة الاسلامیة الیوم فی قضایاها المهمة لأمریکا وحلفائها ، والطریق الوحید للتحرر من هذه الضغوط وبلوغ الوحدة العملیة هو التمسک بالحبل الالهی ، والاعراب عن الاستیاء من النظام الحاکم فی الولایات المتحدة باعتباره الطاغوت الأعظم" . وفی الوقت ذاته أکد قائلاً :"لنرى ما الذی جرى على کتاب الله ... قضایا مؤسفة یبکی الانسان علیها بدل الدموع دماً ، بدأت بعد استشهاد الامام علی (ع) . فقد اتخذ الطواغیت وأصحاب الأهواء القرآن الکریم وسیلة للتشبث بحکومات مناهضة للقرآن ، ونحّوا المفسرین الحقیقیین له والمدرکین لحقائقه حیث ورثوها عن الرسول الکریم (ص) ، وذلک بذرائع واهیة ومؤامرات مدبرة ، ولم یزل الرسول (ص) ینادی فیهم :"إنی تارک فیکم الثقلین" ... وفی الحقیقة وضعوا القرآن جانباً ، وقضوا على حکومة العدل ، وأسسوا الانحراف عن دین الله وکتابه وسنة نبیه" .
ومجمل الکلام فان الاتحاد مع هذه الفرقة التکفیریة محال ؛ لأنها ما إن یستتب لها الأمر حتى تدمر العالم بأسره ، بعد أن نزع الله من قلبها الرحمة والعطف الانسانی. لقد لوثت هذه الفرقة الضالة الأجواء الاسلامیة والأخویة السائدة بین مختلف المذاهب الاسلامیة ، وهی الآن منشغلة بدق إسفین الفرقة بین الشیعة والسنة طبق أوامر قادتها من الأمریکیین والاسرائیلیین ؛ لذا یجب التفکیر والخروج بحل ناجع ، وإلا سنشهد قریباً هتک حرمة الأضرحة المقدسة واستمرار إراقة دماء المؤمنین الذین تفوق حرمتهم حرمة الکعبة !
وبعد مضی کل هذه الأعوم الزاخرة بالمواقف الانفعالیة ، نشهد الأیادی الوهابیة تتلطخ بدماء الأبریاء فی زاهدان والأهواز بذنب التشیع ، ونلاحظ أنهم یوزعون فی مکة والمدینة کتیبات ملیئة بالشبهات والأکاذیب والأباطیل ضد المذهب الشیعی . ومن جهة أخرى ، یتهمون ایران بالترویج للتشیع بین أهل السنة ، ویطالبون بهدم المرقد المزعوم لأبی لؤلؤة ، وهذا یؤکد أننا لم نطبق المهام الدینیة والسیاسیة الملقاة على عاتقنا بصورة صحیحة . فلو کنا طوال هذه السنوات قد أوضحنا الأبحاث العقائدیة الأصیلة فی باب التوحید ، والولایة التکوینیة والتشریعیة ، وصیانة القرآن من التحریف ودور العقل ، واحترام الکرامة الانسانیة وعشرات المواضیع الأساسیة الأخرى باللغة العربیة ، ونشرناها فی المجتمع الاسلامی ، ولو کنا قد طبقنا سیاسة الاقتدار والعزة الى جانب الحکمة ومصلحة المجتمع الاسلامی ورعایة المصالح الشیعیة ، لما استطاعت الأیادی الشیطانیة المأجورة بثّ سموم الفرقة بین المسلمین ، معتبرة ملایین المسلمین من الشیعة کفاراً بل مجوساً مهدوری الدم ، ومبیحة هدم المراقد المقدسة للأئمة المعصومین من ذریة رسول الله (ص) .
فحریّ بنا الیوم فی عام الوحدة والانسجام الاسلامی وتمشباً مع قیادتنا الحکیمة المتمثلة بسماحة آیة الله الخامنئی إعادة النظر فی أدائنا السابق ، وعلى ساسة البلاد فی مجال السیاسة الخارجیة والعلماء الأعلام فی مجال التنظیر الدینی التفکیر بحلول جذریة ؛ لإنقاذ المجتمع الاسلامی من مأساة التحجر وبؤس التقوقع ونبذ العقل والمنطق التی ینتهجها نفر معدود ، وباتت تهدد الاسلام والمجتمع البشری برمته : (إنّ هذه أمّتکم أمّة واحدة وأنا ربکم فاعبدون) (الأنبیاء: 92) .
اگه دوست داری اینجا نظر بده: نظر جالب
----------------------------------------------------------------